النورس الطائر.. الأسطورة الخالدة للكرة العراقية

ولد في الـ21 من أبريل 1964، بمنطقة الكرخ ببغداد، بدأ حياته الرياضية مبكرا مع فريق مدرسة عباس بن فرناس الابتدائية، ثم مع أبناء محلته في حي العامل ببغداد، بعد ذلك انضم إلى مركز شباب اليرموك، ثم اختاره المدرب ممتاز توماس ليلتحق بفريق أشبال المنتخب العراقي، الذي شارك معه في بطولة غوتيا للناشئين، ورغم أنه لم يشارك سوى 10 دقائق، لكنه اكتسب ثقة كبيرة شجعته على مواصلة مشوار الكرة، ومرة ثانية في 1981، اختاره المدرب داود الغزاوي للمشاركة في نفس البطولة بالسويد، ونجح هذه المرة في تحقيق اللقب، ولقب الهدّاف برصيد سبعة أهداف.

إنه الأسطورة العراقية أحمد راضي أميش الصالحي، الذي التحق في عمر الـ16 بناشئي نادي الشرطة، ثم انتقل لنادي الزوراء، فئة الناشئين، ولعب في الدرجة الأولى، وهو في الـ17 من عمره.

انتبه جلال عبد الرحمن، الذي كان حينها مدربًا لفريق الأشبال، إلى موهبة راضي، فدعا عمو بابا، مدرّب المنتخب العراقي، لحضور مباراة لفريق الزوراء بتكريت، والذي حضر بدوره وشاهد راضي، ومن ثم استدعاه للانضمام إلى المنتخب العراقي، كأصغر لاعب ينضم إلى المنتخب في تاريخ كرة القدم العراقية، وكان ذلك عام 1982.

وأعطى تواجد راضي في نادي الزوراء، صاحب أكبر قاعدة جماهيرية بالعراق شهرة واسعة بين الجمهور العراقي، حيث لفت راضي الأنظار إليه بمهاراته كمهاجم هدّاف، في فريق غلب على لاعبيه صغر سنهم، وكان هو الأصغر بينهم،حيث إنه كان لازال تلميذا بالمدرسة.

بعد عامين قضاهما راضي في الزوراء، أسّس عدي، نجل الرئيس العراقي السابق صدام حسين، نادي الرشيد، وعمل على جمع نجوم الكرة العراقية فيه، فجمع النادي عند انطلاقته 13 لاعبًا متميزًا من لاعبي الأندية، كان راضي ضمنهم، ولعب لصالح نادي الرشيد منذ تأسيسه عام 1984 وحتى قرار الاتحاد العراقي لكرة القدم حلّه عام 1990، حقّق خلالها الفريق عدة ألقاب على مستوى الجمهورية، منها بطولة الدوري العراقي للأعوام 1987، 1988 و1989، وبطولة كأس العراق 1987، أما على المستوى الدولي، فقد حصل على كأس الأندية العربية سنوات 1985، 1986 و1987، وتأهل في بطولة الأندية الآسيوية للنهائيات مرة واحدة، واجه فيها السد القطري وخسر أمامه، وعقب حله عاد راضي ثانية إلى نادي الرشيد.

حصل راضي مع فريق الزوراء الذي كان يطلق عليه النوارس، على لقب النورس الأبيض، وهو أول ألقابه، تلاه لقب النورس الطائر، بعد أن تجلت مهاراته باللعب في الهواء، إذ كان كثيرًا ما يسدّد برأسه وصدره، وله ضربات مقصّية صنعت أجمل الأهداف في تاريخه كلاعب، ومنحته عشق الجماهير.

ومن مواقف راضي التي لا تنسى، خلال مباراة لفريق الزوراء بملعب الشعب، في الفترة التي سبقت اعتزال راضي، وبعد لقاء تلفزيوني معه في منزله، ظهر فيه وهو يضع أمامه شايًا، وكليجة (حلوى عراقية)، وصوبة، هتف فريق الخصم، «كليجة وشاي وصوبة»، كناية عن لزوم جلوسه في منزله وعدم لعبه، نظرًا لتراجع أدائه منتصف التسعينيات، مقارنة بما كان عليه في السابق، حينها ذهب راضي ناحية جمهور الخصم، وأشار لهم بيده أن كلكم على رأسي، لينقلب هتاف الجمهور تشجيعًا له.

ومن أهدافه المحفورة في ذاكرة الجمهور هدفه في مباراة كأس الخليج ضد قطر 1988، حيث اعتقد الجميع أن الكرة خرجت من الملعب، إذ كانت بمحاذاة المرمى ولا يمكن أن تدخل، وسددها راضي لتأتي على الخط داخل المرمى، ولم يتخيل أحد أن يسجل الهدف، حتى الحارس الذي ظل مذهولًا ينظر إليه.

لعب راضي رفقة المنتخب العراقي مرتين في دورة الألعاب الأولمبية، الأولى 1984 في لوس أنجلوس، والثانية 1988 في سيئول، لكنّه خرج من الدورتين، ولم يحالفه الحظ فيهما، وكان راضي أحد الأسباب الأساسية في ترّشح المنتخب للدورتين، وأدّى أداءً متميزا خلالهما.

وكان راضي انضم للمنتخب 1982، ولعب معه 121 مباراة، سجل خلالها 62 هدفًا، من بينها المباراة التي صنعت اسمه، على مستوى دوليّ أمام بلجيكا في كأس العالم.

تأهل المنتخب العراقي لنهائيات تصفيات كأس العالم 1985، مع البحرين، الإمارات العربية المتحدة وسوريا، وتأهل منتخبا العراق وسوريا، للمباراة النهائية، حيث تعادلا سلبيًا بمباراة الذهاب في سوريا، ثم فاز العراق في مباراة الإياب بالسعودية، بثلاثة أهداف لهدف، ليتأهل المنتخب العراقي لكأس العالم 1986 في المكسيك.

لعب العراق في كأس العالم ضمن المجموعة الثانية، التي ضمت إلى جانبه بلجيكا، البارغواي والمكسيك، خسر أمام الباراغواي في دوري المجموعات، بهدف مقابل لا شيء، وسجّل راضي في تلك المباراة هدفًا بالرأس لم يتم احتسابه، بسبب صافرة الحكم التي أنهت الشوط الأول من المباراة، والكرة في طريقها للشباك؛ الهدف الذي ظلّ راضي يعتبره صحيحًا طوال حياته، ثم خسر العراق أمام بلجيكا بهدفين لهدف، سجّله راضي في الدقيقة 56، كان هدف العراق الوحيد، في المرة الوحيدة التي تأهل فيها لكأس العالم.

ولم ينس راضي مدرّب منتخب البرازيل حينها إيفرستو، الذي أمسك به فجأة من بين اللاعبين وقال: هذا اللاعب سوف يكون نجمًا في المستقبل، وكذلك مدرّب المكسيك، الذي حضر لمقر المنتخب العراقي بعد مباراة المنتخبين، وطلب رؤيته وتبادل معه القميص.

ورغم هذا المستوى اللافت، لم يتسن لراضي أن يقبل أيا من العروض المقدمة له بسبب الحرب وحظر التعاقد، رغم حصوله على عرض من الأورغواي عام 1988، وهو العام الذي فاز فيه راضي مع منتخب العراق ببطولة كأس الخليج للمرة الثانية، وحصل على لقب هداف البطولة، وتم اختياره كأفضل لاعب في آسيا، فعاد للزوراء 1990، وفي 1992 شارك المنتخب العراقي في بطولة الأردن الوديّة، وفاز فيها على إثيوبيا 13-0، سجّل راضي منها خمسة أهداف، واعتبرت أكبر نتيجة حققها المنتخب في تاريخه، وفي 1993، تلقى راضي عرضًا من نادي الوكرة القطري، نقله من لاعب محليّ إلى لاعب دوليّ، واعتبر العقد الاحترافي الدولي الوحيد في مسيرته، واستمر راضي معه أربع سنوات، وصل النادي فيها مرةً واحدةً لنهائي كأس الأمير 1994.

وفي 1997 قرر راضي العودة للزوراء، ليلعب آخر مواسمه كلاعب في ناديه الأول، واعتزل 1999 بعد أن حفر اسمه في تاريخ الكرة العراقية والعربية.

حصل راضي في مسيرته على عدّة ألقاب منها لقب أفضل لاعب وأفضل هداف ثلاث مرات في دوري أبطال العرب، لقب أفضل لاعب في العراق بدوري الأندية العراقية ست مرات، هداف الدوري العراقي 1992، هداف دوري أبطال آسيا 1988، أفضل لاعب في آسيا لنفس السنة، أفضل لاعب وهداف في كأس العرب 1985، أفضل لاعب عربي لأربع مرات متتالية منذ عام 1985 وحتى 1988.

كما اعتبر من أفضل اللاعبين الذين مرّوا على نادي الوكرة القطري، إذ حقق لقب هداف الدوري القطري 1994، وتم تصنيفه من قبل فيفا، ضمن قائمة أفضل 10 لاعبين عرب في القرن العشرين.

بعد أن أنهى أحمد راضي مشواره كلاعب، اتّجه للتدريب سنة 1999، واختار أن يدرّب نادي الشرطة للناشئين حتى 2001، ثم انتقل في 2002 لتدريب فئة الناشئين بمنتخب العراق فترة قصيرة، قبل أن يصبح مدربًا لنادي الزوراء عدة أشهر في العام نفسه، ثم رئيسًا للنادي عام 2002-2003، ورفض فيما بعد الترشح ثانية للمنصب.

دخل راضي فيما بعد معترك السياسة، حيث تم تعيينه عضوا بالبرلمان 2008، وبعد انتهاء الدورة لم يعاود راضي الترشح، حيث كان هدفه من خوض العمل السياسي خدمة مشروعه بأن يؤسس أكاديمية للناشئين على مستوى العراق، وهو ما يحتاج دعما من الدولة لتحقيقه.

عاش راضي رفقة أسرته في الأردن، حتى أصيب في مايو 2020 بكوفيد 19، بعد حضوره حفلا جماهيريا ببغداد، ودخل مستشفى النعمان، ولكنه آثر الحجر المنزلي، لكنه اضطر فيما بعد للعودة إلى المستشفى عقب تدهور حالته، ولم بسعفه الوقت للانتقال إلى الأردن واستكمال العلاج، حيث توفي 20 مايو، ودفن في مقبرة الكرخ ببغداد، وفي فبراير 2022، خلدت العراق ذكرى نجمها المونديالي بنصب تذكاري افتتحه عدنان درجال وزير الشباب والرياضة، رئيس الاتحاد العراقي لكرة القدم، أمام ملعب الشعب الدولي بالعاصمة بغداد، وسط حضور رسمي وجماهيري كبير، ليكون راضي ثاني لاعب يقام له نصب بعد قائد أسود الرافدين خلال الخمسينيات والستينيات، جميل عباس.

زر الذهاب إلى الأعلى