باتريوت.. الزلزال الذي هز الرياض في خليجي9

في يوم ما، حين كانت الملاعب تعج بالمواهب التي تنشر البهجة بين محبي الساحرة المستديرة، كان هو يمر كالسهم في ساحات ومساحات الخصوم، يتحرك بأسلوب ماكر، ويطلق لقدميه العنان،ثم يتوقف فجأة ويغير اتجاهاته برشاقة الغزلان، يركض كالفهد، وينقض كالأسد، فيخدع المدافعين ويمر من بينهم، ثم يعلن عن تميزه بصيحة كان معها على موعد.

إنه نجم نادي الوصل والمنتخب الإماراتي زهير بخيت الذي ولد في 13 يوليو 1967، عشقته الجماهير الإماراتية بمختلف ميولها وانتماءاتها، ولقبته بشتى الألقاب، ولم يكف ذلك إعجابها به، لأنها لم تجد فيها جميعاً ما يعبر عن فرط حبها لأحد أسرع من أنجبته ملاعب كرة القدم الإماراتية، فلقبته بــباتريوت تارة، وبــالمشاكس تارة أخرى، وغيرها من مدلولات العشق وإيماءات التقدير والوفاء للاعب قدم الكثير لكرة القدم الإماراتية.

امتلك زهير بخيت قدرات هائلة في الاختراق والتحرك داخل نصف ملعب المنافس ودفاعاته مهما كانت قوتها، فلقب بملك الاختراقات، ومكنته سرعته وتحكمه المبهر وقدرته على ترويض الكرة، من تقديم ما عجزت عن وصفه الجماهير على مختلف أهوائها وألوانها.

بدأ مشوار زهير مع المنتخب الإماراتي في 21 يناير 1988، حين ضمه المدير الفني البرازيلي كارلوس البرتو، ولعب أولى مبارياته الدولية أمام بلغاريا في دورة ودية، وأحرز هدفا.

كما شارك في 5 نسخ لدورات الخليج، بدأت ببطولة الخليج التي استضافتها السعودية عام 1988، والتي شهدت بزوغ نجم زهير بخيت وكانت المحفل الذي أظهر فيه الكثير والمثير، حيث انبهرت به الجماهير الخليجية على امتداد الخليج العربي، ورقصت فرحاً مع أهدافه في البطولة، وقد جاء هدافاً لتلك البطولة، (مع العراقي أحمد راضي برصيد 4 أهداف لكل منهما)، التي شهدت ميلاد نجم كبير، وصفته الصحافة السعودية وقتها بالزلزال.

وفي كأس الخليج 1990 سجل هدفا في مرمى الكويت، وفي كأس الخليج 1992 سجل هدفا أمام البحرين.

في خليجي 12، التي نظمتها العاصمة الإماراتية أبوظبي عام 1994، جاء منتخب الإمارات وصيفا، وشكل زهير بخيت مع المبدع عدنان الطلياني أخطر ثنائية عرفتها كرة القدم الإماراتية عبر تاريخها، أما على مستوى الإمبراطور الوصلاوي فقد كانت ثنائيته الخطيرة مع شقيقه محمد عمر، وكان بخيت أحد صناع الإنجاز الإماراتي الكبير بتأهل الفريق إلى نهائيات كأس العالم بإيطاليا 1990، ولكن الإصابة وقفت حائلاً بينه وبين حلمه بالمشاركة.

 

أهم إنجازات زهير بخيت مع الإمبراطور الوصلاوي، الفوز ببطولة الدوري وكأس صاحب السمو رئيس الدولة مرات عدة، وظل عشقاً سرمدياً للجماهير الوصلاوية قل أن يتكرر مثله، حصل بخيت مع الوصل على لقب هداف الدوري الإماراتي برصيد 25 هدفاً عام 1988، وفي العام ذاته نال لقب هداف العرب، وفاز بجائزة الحذاء الذهبي.

كان زهير بخيت جزءًا من الجيل الذهبي للمنتخب الإماراتي الذي تأهل إلى نهائيات كأس العالم للمرة الأولى والوحيدة في تاريخ البلاد، وخسر بفارق ركلات الترجيح لقب كأس آسيا على أرضه أمام السعودية، في لقاء شاهده بخيت من مقاعد البدلاء باستاد مدينة زايد الرياضية، في مباراة كانت تمثل في ذلك الوقت، حياة كل واحد من اللاعبين الـ23 الذين يرتدون القمصان البيضاء، سواء داخل الملعب أو على مقاعد البدلاء، كما صرح هو نفسه.

وصلت مسيرة الإمارات في كأس آسيا 1996 إلى ذروتها، أمام السعودية التي ظهرت في نهائيات البطولة الثلاثة السابقة، ورفعت الكأس عامي 1984 و1988 قبل خسارتها أمام اليابان عام 1992، وعلى النقيض من ذلك، لم يصل الإماراتيون من قبل إلى النهائي القاري، وقبل أربع سنوات من ذلك، احتلوا المركز الرابع في اليابان، بعد خسارتهم أمام نفس المنافس، السعودية، في قبل النهائي.

ومع بقاء النتيجة سلبية، استدعى مدرب المنتخب الإماراتي توميسلاف إيفيتش، بخيت من مقاعد البدلاء مع بداية الشوط الثاني، وكان تأثير التبديل السريع واضحاً منذ البداية، وفي غضون دقيقتين، خطف الجناح حسن سعيد الكرة من الدفاع السعودي، وقدم تمريرة لبخيت القادم من الخلف، والذي تقدم نحو منطقة الجزاء، وأرسل كرة متقنة نحو الزاوية البعيدة لحارس المرمى محمد الدعيع لتصل أمام النجم التاريخي لمنتخب الإمارات عدنان الطلياني الذي كان على بعد ستة ياردات أمام المرمى الفارغ، واحتفل 60 ألف مشجع في المدرجات بالفعل عندما سدد الطلياني الكرة نحو المرمى، قبل أن تمر بطريقة غريبة بجانب القائم الأيمن وسط دهشة المتابعين، ومع استمرار مجريات المباراة، خسرت السعودية جهود ظهيرها الأيسر حسين عبد الغني، نتيجة تلقيه البطاقة الحمراء، وشكل هذا الأمر دفعة كبيرة للمضيفين، الذين حاولوا تحقيق الفوز وعدم الذهاب إلى الأشواط الإضافية.

وصرح بخيت عن هذا اللقاء:” لم نرد أن تصل المباراة إلى ركلات الجزاء الترجيحية، رغم أننا تدربنا عليها، ومنتخب السعودية كان يشعر بالإحباط، وشعرنا أن لدينا الفرصة لتحقيق الفوز، لكن السعوديين كانوا في العديد من النهائيات، ولديهم الخبرة، ففي عام 1988، فازوا بكأس آسيا بفارق ركلات الترجيح أيضاً، ولذا، من الناحية النفسية كان لديهم ميزة الدخول في ركلات الترجيح.

ورغم الاعتراف على نطاق واسع، بأن بخيت واحد من أفضل اللاعبين الإماراتيين في جيله، لكنه لم يكن اللاعب البالغ من العمر 29 عاماً آنذاك، يستمتع بأفضل مستوياته على أرضه، ولم يسجل أي هدف في البطولة، وتم وضعه في نهاية المطاف كبديل، ولكن دخوله في النهائي منح طاقة جديدة لهجوم الأبيض، رغم أنه في النهاية لم تكن هناك أهداف للإمارات ولا لضيوفها مع نهاية 120 دقيقة، وعنى ذلك اللجوء إلى ركلات الترجيح، وعندما تم تسليم قائمة منفذي ركلات الترجيح للحكم، كان اسم بخيت غائباً، واكد زهير نفسه أن اسمه كان مدرجا ضمن الخمسة، لكنه رفض، معللا:” لم أكن محظوظاً أمام المرمى طوال البطولة، ولذلك لم أشعر أنني في وضع يسمح لي بالذهاب للتسديد”.

نجح الطرفان في تنفيذ أول ركلتين،، ثم تصدى الدعيع لركلة يوسف صالح، لكن سرعان ما تمت استعادة التكافؤ، بعد أن أخطأ السعودي إبراهيم مطر الهدف، في حين حول خميس سعد الكرة داخل الشباك، وإذا كان سبب عدم حصول بخيت على ركلة ترجيح هو ضعف مستواه في البطولة، فإن زميله حسن سعيد كان في حالة جيدة، وسجل 3 أهداف في البطولة بالفعل، ومع ذلك، بعد أن سجل خالد التيماوي، فشل الجناح الأيمن في التسجيل، مما يعني أن نجاح خالد المولد في التسجيل كان كافياً للسعودية للحصول على لقبها الثالث في كأس آسيا، كان ذلك مفجعاً بالنسبة للإماراتيين، حيث فشل الجيل الذهبي للبلاد، والذي نجح في التأهل التاريخي لكأس العالم قبل 6 سنوات، في تتويج مسيرتهم الكروية بلقب البطولة القارية الهامة.

وبعد مسيرة 13 عاما، خاض خلالها أكثر من 118 مباراة رسمية وودية، وسجل 54 هدفا دوليا، أعلن زهير بخيت الاعتزال، مصرحا بأنه اختار الوقت المناسب لترك المستطيل الأخضر، وأنه لا يهوى اللعب في الوقت الضائع، ولن يبقى للحظة التي تلفظه بها الملاعب، لكنه سيظل بذاكرة أبناء الخليج العربي أحد أهم رموز الكرة الإماراتية والخليجية على حد سواء.

زر الذهاب إلى الأعلى